الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{قالواْ كَذَلِكِ قال رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}.أي قلنا لكِ كما قال ربُّكِ لنا، وأنْ نُخْبِرَكِ أنَّ اللَّهَ هو المُحْكِمُ لأ فعالِه، {الْعَلِيمُ} الذي لا يخفى عليه شيء.{قال فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}.سألهم: ما شأنُكم؟ وما أمرُكم؟ وبماذا أُرْسِلْتُم؟{قالوآ إِنَّا أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حَجَارَةً مِّن طِينٍ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ}.هم قوم لوط، ولم نجد فيها غيرَ لوطٍ ومَنْ آمن به.قوله جلّ ذكره: {وَتَرَكْنَا فِيهَآ ءَايَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}.تركنا فيها علامةً يعتبر بها الخائفون- دون القاسية قلوبهم.قوله جلّ ذكره: {وَفِى مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}.أي بحجة ظاهرة باهرة.... إلى قوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]: أي جعنا بينهما وبين الأرض سعة، {وإنا لقادرون}: على أن نزيد في تلك السعة.{وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ}.أي جعلناها مهادًا لكم ثم أثنى على نَفْسه قائلًا: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}.دلَّ بهذا كلَّه على كمال قدرته، وعلى تمام فضله ورحمته.قوله جلّ ذكره: {وَمِن كُلِّ شيء خَلَقْنَا زَوْجَينِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.أي صنفين في الحيوان كالذَّكَرِ والأنثى، وفي غير الحيوانِ؛ كالحركة والسكون، والسواد والبياض، وأصناف المتضادات.قوله جلّ ذكره: {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.أي فارجِعوا إلى الله- والإنسان بإحدى حالتين؛ إِمَّا حالة رغبةٍ في شيءٍ، أو حالة رهبة من شيء، أو حال رجاء، أو حال خوف، أو حال جَلْبِ نَفْعٍ أو رفع ضُرٍّ وفي الحالتين ينبغي أَنْ يكونَ فِرارُه إلى الله؛ فإنَّ النافعَ والضارَّ هو اللَّهُ.ويقال: مَنْ صَحَّ فِرارُه إلى اللّهِ صَحَّ قراره مع الله.ويقال: يجب على العبد أَنْ يفرَّ من الجهل إلى العلم، ومن الهوى إلى التُّقَى، ومن الشّكِّ إلى اليقين، ومن الشيطانِ إلى الله.ويقال: يجب على العبد أَنْ يفرَّ من فعله- الذي هو بلاؤه إلى فعله الذي هو كفايته، ومن وصفه الذي هو سخطه إلى وصفه الذي هو رحمته، ومن نفسه- حيث قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] إلى نفسه حيث قال: {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ}.قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِِلَهًا ءَاخَرَ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.أُخَوِّفُكم أليمَ عقوبته إنْ أَشركْتُم به- فإِنَّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به.ثم بيَّنَ أنه على ذلك جرَت عادتُهم في تكذيب الرُّسُل، كأنهم قد توصوا فيما بينهم بذلك.قوله جلّ ذكره: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ}.فأَعْرِضْ عنهم فليست تلحقك- بسوء صنيعهم- ملامةٌ.قوله جلّ ذكره: {وَذَكِّرْ فَإِنٍَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.ذَكِّر العاصين عقوبتي ليرجعوا عن خالفةِ أمري، وذَكِّر المطيعين جزيلَ ثوابي ليزدادوا طاعةً وعبادةً، وذَكِّرْ العارفين ما صرَفْتُ عنهم من بلائي، وذكِّرْ الأغنياءَ ما أَتَحْتُ لهم من إحساني وعطائي، وذَكِّر الفقراء ما أوجبْتُ لهم من صَرْفِ الدنيا عنهم وأَعْدَدْتُ له من لقائي.قوله جلّ ذكره: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِّنْهُم مِّن رِّزقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ}.الذين اصطفُْهم في آزالي، وخصَصْتُهم- اليومَ- بحسْنِ إقبالي، ووعدْتُهم جزيلُ أفضالي- ما خَلَقْتُهم إِلاَّ ليعبدونِ.والذين سخطت عليهم في آزالي، وربطتهم- اليوم- بالخذلان فيما كلَّفتهم من أعمالي، وخَلَقْتُ النارَ لهم- بحُكْم إليهتي ووجوب حُكْمي في سلطاني- ما خلقتهم إلا لعذابي وأنكالي، وما أَعْدَدْتُ لهم من سلاسلي وأغلالي.ما أريد منهم أَنْ يُطْعِموا أو يرزفوا أحدًا من عبادي فإنَّ الرزَّاقَ أنا.وما أريد أن يطعمونِ فإِنني أنا اللَّهُ {ذُو الْقُوَّةِ}: المتينُ القُوَى.قوله جلّ ذكره: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونَ}.لهم نصيبٌ من العذابِ مثلَ نصيبِ مَنْ سَلَفَ من أصحابهم من الكفار فلِمَ استعجالُ العذابِ- والعذابُ لن يفوتَهم؟.{فَوَيْلٌ لِّلَّذِيِنَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُون}.وهو يوم القيامة. اهـ.
|